لا تحاول عزيزي القارئ أن تقرأ الطالع أو تستشف الغيب.. لا تحاول الرهان علي الأيام لانها متقلبة وحركتها دائمة.. وفي سيرها تحمل سرها الذي ترفض البوح به.
إذا جندت كل حواسك وركزت انتباهك مع حركة الأيام.. فسوف تكتشف شيئاً خطيراً وهو »إن الثابت في الحياة هو التغيير« فكم من بناء شامخ اخترقته التصدعات وأحالته الأيام إلي كوم تراب.. وكم من شخص غني طاله الفقر وطحن عظامه.. وكم من فنان ضاقت به الحياة وتلاشت أضواء الدنيا أمام عينيه.. للأيام عزيزي القارئ فلسفة وعليك أن تأمن مكرها وتعمل ألف حساب لغدرها. قبل الرحيل حاولت الفنانة الكبيرة أمينة رزق استغلال موقعها كعضو مجلس شوري في تأمين الفنان وأن يكون له حق الأداء شأنه شأن الشاعر والملحن وتحمس الجميع لمشروع حق الأداء الخاص بالممثل ولكن تم إجهاض التجربة ودفن المشروع في درج بلا عنوان.. منذ أيام قليلة تحرك الدكتور أشرف زكي نقيب الممثلين وراح يبذل كل ما في وسعه لإحياء مشروع حق الأداء الخاص بالممثل.. ونحن بدورنا نتمني ان يخرج المشروع للنور ففي استعراض سريع لحياة عدد كبير من الفنانين اكتشفنا انهم ماتوا من الجوع والفقر.. ورحلوا عن دنيا الوجود في صمت يؤكد أن الكل تخلي عنهم وأنهم دفعوا الثمن غالياً.
في السطور القادمة نحاول استعراض حياة بعض النجوم الذين ذاقوا مرارة الفقر وذل الاحتياج. 1-
فاطمة رشدي ولدت فاطمة رشدي في 3 فبراير 1908 بالإسكندرية.. بدأت حياتها الفنية مبكراً عندما كانت في التاسعة من عمرها حيث أسند لها أمين عطا الله دوراً في إحدي مسرحياته كما كانت تؤدي أدواراً غنائية ثانوية في بدايتها وظهرت علي المسرح مع فرقة عبدالرحمن رشدي، ثم انضمت بعد ذلك إلي فرقة الجزايرلي ثم تعرفت بـ »عزيز عيد« فلقنها درساً في القراءة والكتابة وأصول التمثيل.. وعندما شاهدها المطرب سيد درويش عام 1921 دعاها للعمل بفرقته التي كونها بالقاهرة..
ومرت الأيام وأصبحت فاطمة رشدي نجمة كبيرة ولها بريق خاص وفي عام 1929 ذهبت إلي بيروت ولقيت إقبالاً كبيراً من جانب محبيها ولقبت بصديقة الطلبة.. وأقام لها الطلبة حفلا كبيرا لتكريمها.. تزوجت فاطمة رشدي بعد انفصالها عن عزيز عيد من المخرج كمال سليم الذي أسند إليها أهم أدوارها وهو دورها في فيلم »العزيمة« كما تزوجت من المخرج محمد عبدالجواد وعاشت بعيداً عن الأضواء لسنوات طويلة ثم تزوجت رجل أعمال من الصعيد وفي 51 تزوجت من ضابط شرطة.. اعتزلت فاطمة رشدي الفن في أواخر الستينيات وانحسرت الأضواء عنها مع التقدم في السن وضياع الصحة والمال وكانت تعيش في أواخر أيامها في حجرة بأحد الفنادق الشعبية في القاهرة، وعندما كشفت جريدة الوفد عن حياتها البائسة تدخل الفنان فريد شوقي لدي المسئولين لعلاجها علي نفقة الدولة وتوفير المسكن الملائم لها وتم ذلك بالفعل حيث حصلت علي شقة لكن القدر لم يمهلها لتتمتع بما قدمته لها الدولة وماتت فاطمة رشدي وحيدة في حجرة ضيقة تفوح منها رائحة لا تحتمل في 23 يناير 1996 عن عمر يناهز 84 عاماً.
هكذا انتهت حياة فاطمة رشدي فقيرة مؤلمة وخالية من أي بهجة ومن أهم أفلامها - تحت سماء مصر - الزواج - ثمن السعادة - العزيمة -. 2- عبدالفتاح القصري اشتهر عبدالفتاح القصري بقامته القصيرة وشعره الأملس وإحدي عينيه التي أصابها الحول.. كان نجماً في عالم الكوميديا.. صحيح أن القصري لم يلعب بطولة مطلقة وكان يظهر في خانة السنيد للبطل ورغم ذلك استطاع ان يسرق الكاميرا من الجميع.. ولد عبدالفتاح القصري في 15 أبريل 1905 وتوفي في 1964 وكان والده ثرياً يعمل في تجارة الذهب ولكنه رفض العمل معه واقتحم عالم التمثيل حيث التحق بفرقة عبدالرحمن رشدي ثم فرقة نجيب الريحاني ثم بفرقة إسماعيل ياسين ظهر في 63 فيلماً منها: »سكر هانم، نداء القلب، عروسة البحر، حسن ومرقص وكوهين، سي عمر، عودة طاقية الإخفاء« ورغم الشهرة والثراء جاءت نهايته مؤلمة وصادمة لكل من اقترب منه حيث أصيب بمرض نفسي أفقده لذة وسحر الحياة ثم فقد بصره واصابه الشلل وقامت شقيقته التي كان يقيم معها ببيع الشاي والسكر في قراطيس من أجل توفير الدواء والطعام لشقيقها المريض.. المدهش والغريب ان جنازة هذا الرجل الذي أضحك الملايين سار فيها ثلاثة من أقاربه والفنانة نجوي سالم.. وهكذا انتهت حياة فنان وهب حياته في صنع الابتسامة. علي الكسار ممثل كوميدي كبير ولد في القاهرة وعمل في بداية حياته بمهنة السروجي وهي ذات المهنة التي كان يشتغل بها والده ثم اتجه إلي العمل بالطهي مع خاله وفي تلك الفترة اختلط بالنوبيين واتقن لهجتهم وكلامهم وفي عام 1907 كون أول فرقة مسرحية له وسماها »دار التمثيل الزينبي« ثم انتقل إلي فرقة »دار السلام« بحي الحسين.. ذاعت شهرته ودخل في منافسة حامية مع الكوميديان الكبير نجيب الريحاني وابتدع شخصية »عثمان عبدالباسط« النوبي لمنافسة شخصية »كشكش بيه« التي كان يقدمها الريحاني والحقيقة ان الشخصية نجحت نجاحاً عظيماً ولاتزال خالدة في ذاكرة التمثيل العربي.. سافر إلي الشام وقدم مسرحياته هناك ولاقت نجاحاً كبيراً وبعد ذلك مر بأزمة مالية أدت إلي إغلاق مسرحه بالقاهرة بعد ان قدم ما يزيد علي 160 عرضاً مسرحياً واتجه بعد ذلك إلي السينما وقدم فيها عدداً من الأفلام الناجحة من أشهرها: »بواب العمارة، عثمان وعلي، ممنوع الحب، ألف ليلة وليلة، الساعة 7، علي بابا والأربعين حرامي« ومات الكسار فقيراً ورحل في صمت شأنه شأن عبدالفتاح القصري والعظيمة فاطمة رشدي.
شرفنطح ولد عام 1886 واشتهر باسم »شرفنطح« عمل في فرقة سيد درويش وأيضاً في فرقة جورج أبيض وله أكثر من 40 عملا.. ومن أهمها: سعاد الغجرية، مخزن العشاق، أحلام الشباب، خبر أبيض، السر في بير، صيت ولا غني. كان معروف عن محمد كمال المصري الشهير بـ »شرفنطح« حبه الشديد للفلوس وقيل انه كان يلف فلوسه في حزام حول بطنه ولكن مرضه الشديد لم يحمه من تقلبات الزمن حيث غافله المرض واحتل جسده وعلي أثر ذلك تبخرت ثروته ورحل أيضاً وهو يشكو من قسوة الفقر ومرارة الاحتياج
- سعاد حسني كانت سعاد حسني تلك النجمة التي صنعت مجدا من ذهب.. تعاني في أيامها الأخيرة وحاول عدد كبير من الفنانين مساعدتها في تحمل نفقات علاجها ولكنها كانت ترفض.. كان كبرياؤها يأبي ان ينكسر أو ينهزم مهما كانت الظروف صعبة والواقع مؤلماً.
هناك نجوم مازالوا علي قيد الحياة ولكنهم يعانون من ضيق الحال وخشونة العيش أمثال: المنتصر بالله وجورج سيدهم وفؤاد خليل ونظيم شعراوي، وعلي النقيب أشرف زكي التحرك وبذل الجهد حتي يخرج مشروع حق الأداء العلني للنور ويشعر الممثل بالامان ولا يخاف مما هو قادم من رحم الغيب.
اشترك الان معنا ليصلك جديدنا يوميا عبر الايميل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق